تعد العطل المدرسية فترة مهمة من فترات السنة الدراسية ومرحلة من مراحل الزمن المدرسي الذي يتكون من أوقات الدراسة و أوقات العطل. فهي الفترة التي يتوقف فيها التلاميذ والطلبة عن الدراسة ويتحول فيها الزمن المدرسي إلى زمن فراغ تعليمي. مما يترتب عليه مجموعة من التغيرات والتحولات التي بدأت تأخذ في السنين الأخيرة أبعادا اجتماعية وثقافية وتربوية، حيث أصبح مؤخرا الاهتمام بكيفية استثمار العطل المدرسية يتزايد بشكل كبير، سواء من طرف الأبناء أو الآباء و الأمهات أومن طرف مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
لكن الملاحظ اليوم هو أن مجموعة من الأسر بدأت تتساءل عن جدوى وفائدة العطل المدرسية، وعن كثرتها وطريقة توزيعها خلال السنة الدراسية، وعن مددها الزمنية وعن كيفية استثمارها الاستثمار الأمثل بحيث تقدم قيمة إضافية للطفل والمراهق وللتلميذ والطالب .
و تأسيسا على ذلك، سنحاول في هذه الورقة الوجيزة مقاربة إشكالية العطل المدرسية من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: هل العطلة المدرسية هدر للزمن المدرسي؟ هل يدبر تلامذتنا وطلبتنا وقت العطلة بشكل جيد؟ هل يستثمرون أوقات فراغهم بالشكل الصحيح؟ ما هو دور الأسرة في فترة العطلة المدرسية؟ و كيف يمكن أن يستفيد الأطفال والمراهقين من أوقات عطلهم المدرسية؟
هل العطلة هدر للزمن المدرسي؟
تدخل العطل المدرسية ضمن الإيقاع المدرسي التي تتناوب فيه فترات الدراسة وفترات الراحة، وذلك من أجل تجديد النشاط والحيوية بعد أسابيع من الجد و الاجتهاد. و هي تتوزع على السنة الدراسية حيث تتم برمجتها في مناسبات مختلفة منها الدينية والوطنية. وكذا الفترات البين المدرسية (العطل البينية) وعطلة نهاية السنة الدراسية.
و قد برز في الآونة الأخيرة رأيين مختلفين ومتباينين بخصوص الموقف من العطلة المدرسية، خصوصا ما يتعلق بجدوى وأهمية العطل بالنسبة للتلاميذ والطلبة، وتكرار فتراتها، وكيفية توزيعها على مدار السنة الدراسية، وطول أو قصر مدتها الزمنية.
فالرأي الأول، يريد إبقاء برمجة العطل المدرسية ومدتها الزمنية على وضعها الحالي. فتوزيع العطلة حسب هذا الرأي، يحقق التوازن في الإيقاع المدرسي بين فترات الراحة والترفيه والاستجمام وفترات الدراسة و الاجتهاد والمثابرة. مما يمكن التلاميذ والطلبة من تجديد طاقاتهم واستعادة حيويتهم، وبالتالي الرفع من مردوديتهم وتحسين نتائجهم الدراسية.
وفي المقابل يرى الرأي الأخر، أن السنة الدراسية الحالية يغلب عليها كثرة أيام العطل، وتتميز بطول مددها الزمنية. مما يحدث خللا وارتباكا في الإيقاع المدرسي، ويؤثرا سلبا على التحصيل الدراسي بالنسبة للتلاميذ والطلبة.
لكن، بالرجوع إلى المختصين والخبراء - في مجال علم البيولوجيا الزمني Lachronobiologie وهو دراسة الإيقاعات البيولوجية و التغيرات التي يشهدها جسم الإنسان خلال اليوم وفي الأسبوع وفي السنة، وكذا علم chronopsychologyLa وهو دراسة الإيقاعات النفسية والذي يقوم بدراسة التقلبات الدورية التي تحدث في النشاط الفكري واليقظة والانتباه - نجدهم يؤكدون على أهمية فترات الراحة بالنسبة للإنسان وعلى ضرورة برمجة العطل المدرسية بالنسبة للأطفال والمراهقين بعد كل سبعة أسابيع دراسية، مدتها يجب أن لا تقل عن أسبوعين.
كما أن علماء النفس التطبيقي يجمعون على أهمية وقت الفراغ والعطلة بالنسبة للإنسان، وينصحون بضرورة العمل على تنظيمهما وحسن استثمارهما، بغية تجديد النشاط واستعاده الحيوية. إضافة إلى ذلك، يؤكد علماء الاجتماع بدوهم على أن وقت الفراغ والعطل يوازيان من حيث الأهمية وقت العمل حيث أن استغلال وقت الفراغ الاستغلال الأمثل يرفع من مردودية الإنسان ويحقق التوازن في حياته المهنية والشخصية ويطور قدراته الفردية و الاجتماعية .
وفي كل المنظومات التربوية المتقدمة يستفيد التلاميذ والطلبة من العطل المدرسية، ففي فرنسا مثلا تبرمج خلال السنة الدراسية ثلاث عطل مدرسية مدتها 15 يوما بالإضافة إلى أيام الأعياد الوطنية و الدينية.
أما في المغرب فقد حدد مقرر تنظيم السنة لوزارة التربية الوطنية برسم الموسم الدراسي 2013-2014 فترات مخصصة للدراسة وتشمل 38 إلى 40 أسبوعا حسب الأسلاك التعليمية، وفترات مخصصة للعطل وتشمل 40 يوما مقسمة على عطل بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية. وكذا عطل مدرسية تتوزع على فترات السنة الدراسية (العطلة البينية الأولى، عطلة منتصف السنة الدراسية، العطلة البينية الثانية، العطلة البينية الثالثة ) و بطبيعة الحال عطلة نهاية السنة الدراسية ومدتها حوالي شهرين.
وبخصوص الفترات المخصصة للدراسة ، فإذا كانت المنظومة التربوية المغربية تخصص38 إلى 40 أسبوعا للدراسة، نجد أن منظومات تربوية لبلدان مثل فلندا، النمسا وإيطاليا تخصص 38 أسبوعا للدراسة، بينما إسبانيا تخصص 37 أسبوعا وفرنسا تخصص 35 أسبوعا فقط .
وإذا قمنا بمقارنة بسيطة لفترة العطلة الصيفية لبعض المنظومات التربوية المتقدمة ، ففرنسا و بلجيكا و لكسنبورك تخصص 8 أسابيع للعطلة الصيفية ، مثلها في ذلك مثل المغرب، بينما إسبانيا تخصص 11 أسبوعا، وإيطاليا 9 أسابيع.
وعلى هذا الأساس، فالمشكلة أساسا ليست في كثرة العطل ولا في مدتها الزمنية ولا في توزيعها على السنة الدراسية بقدر ما هي في نوعية الأنشطة التي يقوم بها تلميذتنا وطلبتنا خلال العطل المدرسية وفي كيفية الإستفادة منها وفي في طريقة استثمارها واستغلالها الاستغلال الجيد.
هل يستثمر أبناؤنا أوقات العطل المدرسية الاستثمار الأمثل؟
اللافت للنظراليوم ،هو غياب الاستثمار الأمثل لفترات العطل المدرسية من طرف أبنائنا حيث نلاحظ أن مجموعة منهم إن لم نقل أغلبهم يقضون أغلب أوقاتهم خلال العطل المدرسية : إما في النوم حتى الزوال، أو أمام شاشات التلفاز يتتبعون المسلسلات والبرامج الهابطة، أو أمام الحاسوب يتنقلون بين المواقع الإلكترونية ، أو في المقاهي حيث يقتلون الوقت ويهدرون الزمن، أوفي نوادي الانترنيت حيث يرتادون المواقع الاجتماعية ومواقع الدردشة والكلام الفارغ، أو في الأزقة والطرقات يتسكعون بلا وجهة ولا هدف. وسط تساؤلات عن دور ومسؤولية مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة من أسرة ومؤسسات تعليمية، و دور الشباب ومراكز ثقافية...
فاستثمار وقت الفراغ فيما يفيد بالنسبة للأطفال و المراهقين خصوصا في فترات العطل المدرسية، يؤثر إيجابا على شخصيتهم و يطور إمكاناتهم وقدراتهم ويصقل ملكاتهم ، و يساهم في بناء السلوكيات الإيجابية عندهم، خصوصاً ونحن نعيش في عصر أزمة منظومة القيم و زمن تهيمن فيه وسائل الإعلام السمعية و المكتوبة و المرئية والإلكترونية، وتنتشر فيه وسائل التكنولوجيات الحديثة من ( هاتف نقال، حاسوب. IPAD-IPHONE-TABLETTE ...) و التي لها تأثير سلبي على تربية ناشئتنا إن لم تحسن استعمالها و الاستفادة من خدماتها وإن لم تلق التوجيه والعناية اللازمين.
وأمام هذا الوضع، أصبح من الضروري الحرص على التدبير الجيد للزمن خلال العطل المدرسية بالنسبة لأبنائنا من خلال التنظيم المحكم للوقت وذلك بتقسيم أوقات العطلة بين فترات الراحة والترويح عن النفس و الاستجمام وممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية والثقافية من جهة ومراجعة الدروس والقيام بالواجبات المدرسية و دروس الدعم التربوي من جهة أخرى. فالهدف من التدبير الجيد لوقت العطلة المدرسية هو استثمارها الاستثمار الأمثل فيما يفيدهم ويرفع أدائهم ويحسن مردوديتهم.
أهمية دور الأسرة في استثمار العطلة المدرسية
تعتبر مجموعة من الأسر فترات العطلة المدرسية مناسبة لأبنائها للاستفادة من الراحة و الترفيه بعد فترة من التحصيل الدراسي والجد و الاجتهاد، ومناسبة كذلك يتم استغلالها للمراجعة والدعم التربوي استعدادا للفترة الدراسية الموالية.
لكن في المقابل، تحدث العطلة المدرسية عند كثير من الأسر قلقا لافتا و حالة استنفار قصوى نتيجة تغيير إيقاعها اليومي و أنماط معيشتها. و نتيجة كذلك، لكثرة احتياجات وطلبات الأبناء وصعوبة ضبطهم والتحكم في رغباتهم.
فالعطلة المدرسية تنقل التلاميذ والطلبة من الجدولة الزمنية المنتظمة والنظام الصارم و الانضباط، ومن حضور الدروس اليومية والقيامب الواجبات المدرسية، إلى وقت العطلة والفراغ الذي يتسم في تمثلاتنا الاجتماعية بسيادة مفاهيم الحرية المبالغ فيها و اللاقيود و اللانظام والفوضى ، الشيء الذي يشكل عبئا على مجموعة من الأسر و يربك حساباتها وبرامجها .
و بسبب غياب ثقافة التخطيط وتدبير الوقت في مجتمعاتنا، ومع انشغال الأسر في مشاكلها اليومية وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها نتيجة ضغط الظروف المادية و الاقتصادية، بدأنا نلحظ مؤخرا تخلي بعض الأسر عن دورها التربوي خصوصا أيام العطل المدرسية مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مجموعة من السلوكات الإنحرافية لدى بعض الأطفال والمراهقين.
فدور الأمهات و الآباء والأولياء في فترات العطل المدرسية يبقى أساسيا وجوهريا، حيث يتجلى بالخصوص في الحرص على مساعدة أبنائهم على ملأ أوقات فراغهم من خلال العمل على الاستثمار الجيد لوقت العطل عبر تنظيم وتقسيم الوقت بين الراحة والترفيه والمراجعة و الاستعداد للدراسة.
كيف يمكن أن يستفيد أبناؤنا من أوقات العطل المدرسية؟
يتطلب الاستثمار الجيد للعطل المدرسية ، برمجة وتخطيطا محكمين من خلال تقسيم وتنظيم أيام العطلة بين فترات الراحة و الترفيه و الاستجمام وفترات المطالعة و المراجعة استعدادا لأيام الدراسة ، وذلك من خلال تسطيربرنامجيومي مدقق (من الصباح إلى المساء) موزع على باقي أيام العطلة، يشمل كل الأنشطة المختلفة التي يرغب التلميذ أو الطالب في إنجازها. و ذلك عبر تحديد أهداف واضحة و وقتا للإنجاز، ووضع خطة دقيقة تمكن من بلوغ الأهداف المبرمجة. فالهدف بلا خطة واضحة لبلوغه يصبح حلما صعب التحقيق.
وعلى التلميذ أو الطالب الراشد الحرص على الالتزام الصارم بتنفيذ هذا البرنامج. أما بالنسبة للأطفال الصغار فعلى الآباء والأمهات مسؤولية الإشراف على إعداد وإنجاز وتتبع هذا البرنامج.
و يمكن أن يتضمن هذا برنامج العطلة المدرسية مجموعة من الأنشطة المتنوعة من بينها:
ـ المشاركة في المسابقات الرياضية و الثقافية والفنية التي تنظمها مجموعة مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة (المؤسسات التعليمية، دور الشباب، جمعيات المجتمع المدني..) والتي على عاتقها تأطير الأطفال والمراهقين من خلال برمجة أنشطة الدعم التربوي وأنشطة تثقيفية وتوعوية وترفيهية لاستثمار أوقات فراغ التلاميذ والطلبة خلال العطل المدرسية؛
ـ القيام بالرحلات والخرجات الترفيهية والسياحية من أجل نيل قسط من الراحة و الإستجمام وبالتالي تجديد النشاط والحيوية؛
ـ تخصيص فترات للمطالعة والمراجعة من أجل تعزيز المكتسبات وتحسين الأداء و تجاوز نقط الضعف والنقص التي يشكو منها بعض التلاميذ والطلبة ؛
- استغلال جزء من وقت العطلة المدرسية في الدعم التربوي الذي ييسر التعلم الذاتي للتلاميذ والطلبة باعتباره نشاط تربوي يهدف إلى تحسين النتائج الدراسية، عبر تعزيز التعلمات وإغناء المكتسبات المعرفية. مع التأكيد على أن الدعم التربوي المقدم أيام العطل المدرسية يجب أن يتميز عن الدعم التربوي الممارس خلال أيام الدراسة، حيث يجب أن يهدف بالأساس إلى امتلاك التلاميذ والطلبة الأدوات المنهجية التي تمكنهم من الإستقلالية في التعلم. وتسمح لهم بتحسين أداءهم و مردويتهم. وذلك من خلال تغيير وتكييف آليات وطرق ومناهج الدعم المقدم خلال العطلة المدرسية وصيغ تنظيمه وطبيعة أنشطته .
منقول.
هل العطلة المدرسية هدر للزمن المدرسي؟
4/
5
Oleh
DZ.emploi