مداخلة الدكتور/ شلوف حسين رئيس المجموعة الوطنية المتخصصة في إعداد مناهج اللغة العربية وآدابهاباللجنة الوطنية للمناهج - وزارة التربية الوطنية.وباحث ضمن البرنامج الوطني للبحثP.N.R مخبر اللغات والترجمة – جامعة قسنطينة - 1 –قدمت المحاضرة في الملتقى الوطني الأول للمعهد الخاص بـ"التعليمية واقع وآفاق" (28-29 ماي 2014) --------------------------------------
مـدخـل:
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أتلقى دعوة حضور إلى هذا الملتقى الوطني من السيدة/ مديرة المعهد الوطني لتكوين إطارات التربية وتحسين مستواهم من أجل تقديم هذه المداخلة التي تتمحور حول المقاربة بالكفاءات المعتمدة في بناء المناهج التعليمية الجديدة.
وإنها للفتة كريمة تعرب عن غيرة أكيدة على جعل الأسرة التربوية تساير مظاهر التحيين والتجديد في عالم التربية والإسهام في بناء الفعل البيداغوجي على مبادئ أنفع وأنجع وبالتالي السعي إلى تحقيق مردود بيداغوجي أكثر وأغزر.
أملي وكل أملي أن أكون بهذه المداخلة في مستوى الثقة الموضوعة في شخصي.
السيدات والسادة الحضور،
إنني أتناول معكم في هذا الملتقى الوطني الحديث عن مقاربة بيداغوجية على درجة كبيرة من الأهمية ألا وهي بيداغوجيا الكفاءات التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية في بناء مناهج التعليم الجديدة.
وحسنا فعلت في اختيار هذه البيداغوجيا حيث:
- إنها بيداغوجيا تجعل المتعلمين يكتسبون معارف فاعلة ودائمة وبالتالي تخلصهم من الانقياد للتراكم المعرفي الذي كثيرا ما ينسى بسرعة والذي قليلا ما ينفعهم في وضعيات التواصل والتفاعل بإيجابية مع محيطهم.
- إنها بيداغوجيا جاءت لتصحيح الوضع التربوي القائم المبني على تقييم يدفع المتعلم إلى اليأس والفشل أكثر من تشجيعه والأخذ بيده إلى طريق النجوع والنجاح.
وعلى العموم، لقد أردت من خلال هذه المداخلة إلقاء الضوء على أسس هذه البيداغوجيا وخصائصها والإجابة عن كثير من التساؤلات التي قد تتبادر إلى الأذهان، في خضم التعامل مع المناهج التربوية الجديدة. وطموحي في ذلك أن تخرجوا من هذا الملتقى بتصورات واضحة ومفاهيم صحيحة عن بيداغوجيا الكفاءات.
وفي ختام كلمتي هذه، لا يسعني إلا أن أتوجه ببالغ التقدير وعميق الشكر إلى كل الذين أسهموا في تنظيم هذا الملتقى وسعوا إلى أن يوفروا له أسباب النجاح.
وفي سياق التدريس بالمقاربة بالكفاءات يظهر التخطيط للدرس وإعداده ذا أهمية بالغة. وقبل الانتقال إلى تبيان شكل هذا التخطيط، يجدر بنا أن نقف قليلا على مبدأ الكفاءة في الحقل البيداغوجي ومسلك تحقيقها.
بداية، يجب الإقرار بأنّ الكفاءة ذات ارتباط وثيق بإنجاز نشاطات فعلية Une Compétence est associée à des activités concrètes
وأنها –أي الكفاءة-تبرهن على تحقيقها بنتائج قابلة للملاحظة والقياس.
(Elle se démontre par des résultats observables)، وتحقيق الكفاءة للمتعلمين لا يتأتى سدى أو عبثا؛ بل يتحقق انطلاقا من المجهود المشترك الذي يبذله كلّ من المعلم والمتعلّم. فعلى المعلم –من حيث هو الدليل الوجّه في تنشيط الدرس-أن يحدّد استراتيجيا التعليم والتعلم التي تبدو له أكثر ملاءمة لجعل المتعلم يكتسب مستوى أو مستويات من الكفاءة المرصودة. وضمن مسعى بناء هذه الاستراتيجية، يحدّد المدرّس التعلّمات –محور الدرس-والنشاطات التي ينجزها المتعلم وذلك في دائرة تنشيط الحصّة التعلمية.
والوصول إلى تحقيق الكفاءة يتطلب اكتساب مهارات (habiletés). مع العلم أنّ المهارة والكفاءة ليستا ذات مستوى واحد، حيث إنّ جملة من المهارات قد تسهم في بناء كفاءة. والمهارات سواء كانت ذات مستوى معرفي أو وجداني عاطفي، انفعالي أو نفسي حركي تقدّم بصيغة أهداف تعلمية. هذه الأهداف التعلمية تكون مشتقة مباشرة من الكفاءة. ويجتهد المدرّس –أثناء صوغها-في أن تكون دقيقة وواضحة وبعيدة عن كلّ تأويل أو غموض وإبهام.
وهذه الأهداف التعلمية تصف ما يجب على المتعلم أن يتعلمه ليحقّق نتيجة مناسبة لعنصر من عناصر الكفاءة المستهدفة.
وما يجب على المتعلم أن يتعلمه يعبّر عنه بدلالة مهارات. والمهارة تصاغ بدلالة فعل عملي، حركي ومفعول به.
(Une habileté est décrite par un verbe d’action suivi d’un complément d’objet direct)
مثل: يكتب نصوصا متنوعة (écrire des textes variés)، والفعل العملي يدلّ على المستوى المهاري، بينما المفعول به يدلّ على موضوع الدراسة.
(Le verbe d’action précise le niveau d’habiletés, alors que le complément d’objet direct réfère à l’objet d’étude)
وعموما، إنّ المدرّس يكون في وضعية التدريس بالمقاربة بالكفاءات متى عمل –في تنشيط درسه-على:
-إثارة التساؤلات لدى المتعلمين.
- توجيه المتعلمين إلى بناء معارفهم بأنفسهم بمختلف أنواعها.
-الاقتصاد في التلقين والإكثار من دفع المتعلمين إلى البحث والاكتشاف والتقصي.
-إكساب المتعلمين قدرات ومهارات ومعارف، ومعارف فعلية، ومعارف سلوكية.
-تدريب المتعلمين على الاستقلالية في العمل والمبادرة إلى الإنتاج.
-تدريبهم على إدماج مكتسباتهم أثناء العمليات التقييمية.
وعند الإقبال على تقييم حصيلة تعلمات المتعلمين، يعمد المدرس إلى بناء وضعية تقييمية تتصف بالشمولية، ولا تنحصر في المعارف وحدها، بل تتعداها إلى المعارف الفعلية والسلوكية، فيوجه التلاميذ إلى توظيف قدراتهم ومهاراتهم في تمثل الوضعية التقييمية ومعالجتها بتجنيد معارفهم ومواردهم والنجاح فيها.
وأخيرا، ينجح المدرس في تفعيل فعله التربوي –في ظلّ التدريس بالمقاربة بالكفاءات-متى تخطّى بالمتعلمين دائرة المعرفة المتراكمة إلى المعرفة المنتجة.
هيكل هرمي يمثل بناء مخطط لتدريس نشاط تعلمي من نشاطات اللغة العربية.
هذا، والجدير بالذكر أن المقاربة بالكفاءات لا تعتبر التقويم ذا فاعلية إذا لم يكن مشفوعا بتشخيص الأخطاء وباقتراح العلاج.
وإذن، كيف يتم القيام بالتشخيص؟
أ) تشخيص الأخطاء: يتم القيام بتشخيص الأخطاء عبر المراحل الآتية:
1) تحديد الأخطاء.
2) وصف الأخطاء وتصنيفها.
3) تحديد مصادر الأخطاء.
ب) علاج الأخطاء: ويتم بطرائق متعددة منها على سبيل المثال:
1) التصحيح الارتجاعي.
2) مراجعة المتطلبات غير المتحكم فيها وتقديم نشاطات تكميلية تصحيحية.
3) انتهاج استراتيجيات جديدة للتعلم.
4) تكرار التصحيح والنشاطات التكميلية الداعمة.
5) اتخاذ قرارات علاجية ترتبط بعوامل من خارج المدرسة تتطلب تدخل أشخاص خارجيين مثل: الأسرة – المرشد النفسي – العلاج الطبي ......إلخ.
وقد يصل الأمر إلى اتخاذ قرارات وتعديلات عميقة تتعلق بعمليتي التعليم والتعلم بشكل عام مثل تفقد المنهاج ومدى ملاءمة مستواه مع قدرات المتعلمين والنشاطات المقترحة في هذا المنهاج؛ الأستاذ ومدى مهارته في تنشيط الدروس، المناخ التربوي السائد في المؤسسة ...
وعلى وجه التلخيص، نقول إذا كان التقويم تكوينيا، فإن الأمر يتعلق بتقويم الموارد والكفاءات أو هما معا. وحينئذ، على المدرس أن يقف على الصعوبات التي صادفها التلاميذ فيعمد إلى علاجها بكيفية ملائمة. والعمل على حساب التقويم المنقوط ليس بضروري لأن الشيء الذي يهم هو الوقوف على الصعوبات.
ولكن في التقويم الإشهادي، فإن التقويم ينصب على الموارد والكفاءات. ومن هنا يظهر سؤال ذو أهمية بمكان، هو: إذا تعلق الأمر بتقويم الموارد والكفاءات، أي وزن يكون لكل منهما؟ إن الإجابة عن هذا الانشغال خاضعة لطبيعة تنامي الكفاءات. فإذا كنا أمام نظام تربوي حديث عهد بتوظيف المقاربة بالكفاءات في ممارسته البيداغوجية، فإن الاهتمام ينصرف إلى منح الجزء الأكبر من علامة التقويم إلى الموارد. ولكن بعد إقرار المقاربة بالكفاءات وتعميمها على جميع النشاطات التربوية، يصبح تقويم الكفاءات يستأثر بالجزء الأكبر من العلامة النهائية للتقويم الإشهادي. وهكذا تسند، إذن، نسبة 75 بالمئة من العلامة النهائية لتقويم الكفاءات، و25 بالمئة لتقويم الموارد.
وعلى المدرس بعد أن يكون قد صحح أوراق امتحان التلاميذ، أن يعمد إلى:
- تحليل النتائج.
- تعيين التلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم.
- تحديد المعايير التي وفق فيها التلاميذ.
- تكوين أفواج من التلاميذ حسب نجاحهم في مختلف المعايير.
وعلى أساس النتائج المحققة يعد المدرس جدول النتائج النهائية للتقويم. هذا الجدول الذي يسمح بإصدار حكم شامل على مستوى الصف الدراسي. كما يسمح كذلك بتكوين أفواج من التلاميذ الذين يحتاجون إلى دعم واستدراك للحاق بمستوى القسم العام.
وننبه إلى أن الإقبال على علاج جميع الصعوبات التي تعترض المتعلمين وجميع الأخطاء التي ارتكبوها أمر غير ممكن، وإذن، على المدرس أن يكتفي بالوقوف على الصعوبات والأخطاء ذات الأولوية مراعيا في اختياره ما يأتي:
- الأخطاء والصعوبات التي تشكل عائقا على مواصلة التعلمات اللاحقة.
- الأخطاء التي تتكرر بكثرة عند جل التلاميذ.
- الأخطاء التي لا تحتاج إلى طول الوقت لعلاجها.
- الأخطاء التي تتطلب السرعة في تصحيحها.
وإن أهم ما يتميز به التقويم بالكفاءات هو الشمولية بحيث لا ينحصر في المعارف وحدها بل يتعداها إلى المعارف الفعلية والمعارف السلوكية بتوظيف قدرات المتعلم ومهاراته وهذا ما يجب مراعاته عند بناء وضعية تقويم من منظور المقاربة بالكفاءات مع العناية بتحديد المعايير المناسبة التي تعد حجر الزاوية في التقويم بالكفاءات، ذلك أن معيار التصحيح يجب أن يصاغ وفق مبدا الجودة والمصداقية وأن يمتثل لاحترام منتوج المتعلمين.
" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".